Friday, February 16, 2007

المعتمد ابن عباد و اعتماد الرميكيه




في ذلك العصر الغابر في الأندلس، عصر ملوك الطوائف الذي جاء بعد موت محمد ابن ابي عامر المنصور ذلك الوزير الداهيه الذي استبد بالحكم بعد موت الخليفه الحكم من دون ولده هشام المؤيد بالله. لينهى بذلك حكم بني أميه في الجزيرة الذي استمر قرابه اربعمئه عام منذ ان اسسها و حكمها عبد الرحمن الداخل. فبعد موت ابن ابي عامر المنصور و قد كان حاكما قويا و يدفع له الجزيه من قبل ملوك القوت (الأسبان) ضعفت البلاد و حدثت المؤامرات والفتن و بدأت القبائل بالإستقلال بالأطراف.و كان أول من بدأ بالأستقلال بنو عباد في اشبليه، ثم بنو زيري في غرناطه، ثم بنو هود في سرقسطه، ثم بنو ذي النون في طليطله، ثم بنو عامر في بلنسيه، ثم بنو ألأفطس في بطليوس، و
بقيت قرطبة في يد بني حمود ثم بني جهور

و في ذلك العصر كان محمد ابن عباد ولد الخليفه المعتضد بالله الطاغيه ملك اشبليه يتمشى مع صاحبه و وزيره فيما بعد ابن عمار عند مرج الفضه. و كان على عكس ابيه شاعرا رقيق القلب يختلط بالعامه، و بينما هما يتمشيان عند ضفاف النهر نظر محمد الى تموجات النهر بفعل الرياح و قال "صنع الريح من الماء زرد" و طلب من ابن عمار ان يجز اي ان يكمل ببيت اخر من الشعر و قد كان ابن عمار نفسه شاعرا. و أخذ ابن عمار يفكر "صنع الريح من الماء زرد" ثم ماذا يا ابن عمار و لكن دون جدوى كأن الله أراد أن يخرسه لينطق تكملة البيت على لسان الجاريه اعتماد التى سمعتهما بينما هي تغسل الثياب عند حافه النهر فأكملت قائله "أي درع لقتال لو جمد" فكان هذا البيت سبب سعدها وشقائها فيما بعد. فما ان وقعت عين محمد ابن عباد عليها حتى افتتن بجمالها كما افتتن بسرعه بديهتها. و عرف محمدابن عباد انها جاريه عند الرميك ابن الحجاج تخدم زوجه، فأرسل الخدم و المزينات ليخطبوها له و يحملوها اليه لا كجاريه و لكن كزوجه حره. فلم يكن حاجته اليها حاجه الجسد التي تنقضي بإنقضاء اللذه و لكن حاجته اليها كانت حاجه الجوارح و الفؤاد تلك الحاجات التي لا تنقضي الا بمفارقه الروح الجسد و لذلك لم يضمها الي جواريه و قد كان ذلك هينا عليه
و كان محمد وله بها لا يصبر على فراقها ساعه يحبها حبا جما حتى اذا مات ابوه المعتضد و تولى من بعده الحكم اشتق لقب الملك من حروف اسمها فسمى نفسه المعتمد على الله ابن عباد ليخلد حبه لها في اخبار التاريخ عاشت معه في رفاهية وعز فاق الوصف وحظيت عنده حتى كان لايرد لها طلبا ،، وفي يوم من الأيام رأت نساء من البادية يبعن اللبن وقد شمرن عن سوقهن يخضن في الطين فقالت اعتماد : اشتهي أن أفعل أنا وبناتي كفعل هؤلاء البدويات ،، فما كان من ابن عباد الا ان بادر الى تلبية طلبها ولكن بطريقة البذخ والتبذير المفرطة التي كلفت خزينة دولته أموالا طائلة حيث أمر بالعنبر والمسك والكافور فسحق بماء الورد ليكون في هيئة الطين واحضر القرب والحبال لاعتماد وبناتها فحملن القرب والحبال ورفعن عن سوقهن وخضن في طين العنبر والمسك والكافور . و كان يكتب فيها الأشعار فقال فيها


لقلبي لبعدك عني عليل

و شوقي صحيح و جسمي نحيل

ووجدي على قدر ما تعلمين
و انجبت له اعتماد البنين و البنات و كان يدعوها بأم الربيع.لم تكن فقط امرأة جميله و لكنها كانت صاحبة عقل و رأي و كان يرجع إليها في
كثير من أمور الدوله.و على الرغم من ذلك لم ينس العامه قط انها كانت جاريه و ظلت عندهم اعتماد الرميكيه التي تغسل الثياب عند النهر

و في عهد المعتمد توسعت البلاد فضم اليه قرطبة و رندة و ماربيلا و مع ذلك لم تكن مملكته مملكة قويه فقد توسع فيها بمساعدة الفونسو ملك قشتاله و كان يعرف عندهم باسم (الأدفونش) و كان ذلك بدفع الجزيه له و موادعته. وظل الحال هكذا يغير ملوكهم و امرائهم على ما بيد الأخر طمعا حتى ضعف أمرهم وشتتت شملهم غلبهم على امرهم الأسبان، فراوا استدعاء المرابطين من المغرب لنجدتهم. و المرابطين هؤلاء هم قوم اللثام و الجمال الذين استطعوا توحيد بلاد المغرب و قد كانت في فرقه فخلصت اليهم و كان سلطانهم يوسف بن تاشفين. و كان صاحب الرأي في استدعائهم هو المعتمد نفسه


فهم يوسف بن تاشفين لنجدة مسلمي الأندلس و عبر الى الجزيره سنه 479 هجريه بجيوشه الجرارة بقياده قائده دواود بن عائشه و تقابلت جيوش المرابطين و الأندلسين مع جيوش الفونسو فكلنت موقعه هائله انتصر فيها المسلمون انتصارا هائلا و عرفت بواقعه (الزلاُقه) و هرب الفونسو و هو جريح. ثم اصطلح الفريقان و رفع ظلم الإسبان عن مسلمي الأندلس و لم يدفعوا لهم الجزيه المعتاده كل سنه و تسمى يوسف بن تاشفين بعد واقعه الزلاقه باسم أمير المسلمين. و قد غنم المسلمون الشي الكثير جدا من الأموال و الأنفس في هذه الموقعه، فتركه ابن تاشفين هذا كله الى أهل البلاد و عاد الى بلاده



و لكن لم يستمر الحال هكذا فقد ادرك الفونسو ان الحال لن يدوم كثيرا فلن يكون بوسع ملوك الأندلس طلب النصرة من المرابطين كل مرة خشيه ان ان يأتوا و يمكثوا في الجزيره و يسلبوهم الملك و قد رأوا خيرات البلاد و ذاقوا حلاوتها. فبعث الفونسوا خطاب الى اضعفهم عبدالله بن باديس ملك غرناطه و طلب منه الجزيه فتفطن عبدالله الى ما يرمي اليه الفونسو فهادنه و دفع اليه الجزيه فكان ذلك سببا في إنفلاب العامه و الفقهاء عليه خصوصا و قد زادت المغارم و المكوث عليهم لدفعها الى الرومي. فشكا اهل البلاد لإبن تلشفين طلبوا منه العوده الى بلادهم لأخذها و توحيدها. فعبر بن تاشفين مرة أخرى سنه 483 هجريه الى الأندلس و استولى بسهوله على غرناطه و اسر عبدالله بن باديس و نفاه الى المغرب



و فزع المعتمد و خاف من بن تاشفين ان ينزعه الملك فحصن اسوار مدنه و كتب الى الفونسو يطلب نصرته و عندما علم بن تاشفين بما فعله المعتمد حشد جنده الي اشبليه و قاتل المعتمد بن عباد الذي قاتل قتال اليائس للدفاع عن ملكه و لكنه ما لبث ان استسلم على ان يؤمن دمه و دم عياله من القتل. و مع ذلك قتل اثنين من أولاده و يقال ثلاث على يد المرابطين و كانوا كلهم ابناءه من اعتماد. و اسره بن تاشفين مع من بقي من عياله و اخرجه ذليلا على مشهد و مرأى من الناس منفيا الى بلاد المغرب غير انه عقابه اشد العقاب لطلبه النصرة من الرومي و قتاله اياه فنفاه الى اقصى بلاد المغرب الى مدينه اغمات على بغله يركبها هو و اعتماد بينما حرس المرابطين يركبون الأحصنه امعانا في ذله، و اسكنه في بيت وضيع بدائي في المدينه وو ضع عليه حارسا غليظا وقيد رجليه في الحديد حتى لا يخرج من البيت، و لم يكتفي بذلك بل منع عنه المال و الأقوات فأصبح اولاده حفاه عراه يغزلون الغزل و يبعيونه في الأسواق ولا يجد من يشترونه منهم و اصبح الناس يتصدقون عليهم بالمال و الطعام و الملابس. و تقول بعض الروايات ان حاجبه الذي كان يدفع الناس عن بابه و يخدمه قد هاجر بعد دخول المرابطين الأندلس الى المغرب كان يحسن و يتصدق الي اولاده. و عادت الرميكيه الى سيرتها الأولى و ان كانت اشد بؤسا تغسل الخرق الباليه و تخبز ما يتسنى لها من الخبز الذي يستطيع اولادها الحصول عليه من بيع الغزل فبعد ان كانت سيدة القصر تخدمها الجواري و الغلامان اصبحت وضيعه حقيره تتسول مع اولادها الأمراء ، و من شده حالهم كتب عنهم الشعراء و تدخل الناس لكي يعفوا عتهم بن تاشقين او ان يوسع لهم في النفقات و لكنه ابى و وافق فقط على ان يفك قيد الرجل. و رأى المعتمد بعينيه اعتماد وبناتها يكشفن عن سوقهن ليخضن في الطين في ثياب ذل ومهانة ،، فقال : يطأن في الطين والأقدام حافية وقد كن يطأن المسك و الكافور. و ماتت اعتماد فلم تتحمل الذل، وحزن المعتمد عليها حزنا شديدا و مات حزنا و كمدا عليها و على الذل الذي لقيه بعد العز و الملك. و دفنا كلاهما في مدينه اغمات و مازال ضريحهما هناك و قد كتب عليه هنا دفن المعتمد بن عباد و زوجته اعتماد الرميكيه الذي شاركته افراحه و اتراحه .واوصى ان يكتب على قبره: قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقا ظفرت باشلاء ابن عباد نعم هو الحق وافاني به قدر من السماء فوافاني بميعاد ولم اكن من ذاك اليوم اعلم ان الجبال تهادى فوق اعواد! و كتب ابن عباد هذه الأبيات يرثى نفسه يوم العيد و هو في الأسر
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فجاءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة
أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في التراب والأقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
من بات بعدك في ملك يسر به
فإنما بات الأحلام مغرور ا
ولنا في سنن الأولين عبر فالتاريخ دائما ما يعيد نفسه و ما اشبه الليله بالبارحه اليس كذلك؟